responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 94
تَحْذَرُونَ
[التوبة: 64] أَيْ ذَلِكَ الَّذِي تَحْذَرُونَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُخْرِجُهُ إِلَى الْوُجُودِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا حَصَلَ بَعْدَ عَدَمِهِ، فَكَأَنَّ فَاعِلَهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الوجود.

[سورة التوبة (9) : الآيات 65 الى 66]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (66)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ أُمُورًا: الْأَوَّلُ:
رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَرْعَبَ قُلُوبًا وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنًا وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: كَذَبْتَ وَلَأَنْتَ مُنَافِقٌ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجِدَ الْقُرْآنَ قَدْ سَبَقَهُ. فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَكَانَ قَدْ رَكِبَ نَاقَتَهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَلْعَبُ وَنَتَحَدَّثُ بِحَدِيثِ الرَّكْبِ نَقْطَعُ بِهِ الطَّرِيقَ، وَكَانَ يقول إنما كان نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يقول: «أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون» وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَمَا يَزِيدُهُ عَلَيْهِ.
الثَّانِي:
قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: لَمَّا سَارَ الرَّسُولُ إِلَى تَبُوكَ قَالَ الْمُنَافِقُونَ بَيْنَهُمْ أَتُرَاهُ يَظْهَرُ عَلَى الشأن وَيَأْخُذُ حُصُونَهَا وَقُصُورَهَا هَيْهَاتَ، هَيْهَاتَ، فَعِنْدَ رُجُوعِهِ دَعَاهُمْ وَقَالَ: أَنْتُمُ الْقَائِلُونَ بِكَذَا وَكَذَا فَقَالُوا: مَا كَانَ ذَلِكَ بِالْجِدِّ فِي قُلُوبِنَا وَإِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.
الثَّالِثُ:
رُوِيَ أَنَّ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلُوا عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَعَنْ سَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ، فَقَالُوا هَذَا الْقَوْلَ.
الرَّابِعُ: حُكِّينَا عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة: 64] أَظْهَرُوا هَذَا الْحَذَرَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لِمَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؟ قَالُوا: لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الطَّعْنِ، بَلْ لِأَجْلِ أَنَّا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. الْخَامِسُ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا كَلَامًا فَاسِدًا عَلَى سَبِيلِ الطَّعْنِ وَالِاسْتِهْزَاءِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمُ الرَّسُولُ بِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ خَافُوا وَاعْتَذَرُوا عَنْهُ بِأَنَّا إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجِدِّ وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ أَيْ مَا قُلْنَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَجْلِ اللَّعِبِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ «إِنَّمَا» تُفِيدُ الْحَصْرَ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِهِمْ لَاعِبِينَ أَنْ لَا يَكُونُوا مُسْتَهْزِئِينَ فَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ هَذَا الْعُذْرُ.
وَالْجَوَابُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَصْلُ الْخَوْضِ الدُّخُولُ فِي مَائِعٍ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ اسْمًا لِكُلِّ دُخُولٍ فِيهِ تَلْوِيثٌ وَأَذًى، وَالْمَعْنَى: أَنَّا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فِي الْبَاطِلِ مِنَ الْكَلَامِ/ كَمَا يَخُوضُ الرَّكْبُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَأَجَابَهُمُ الرَّسُولُ بِقَوْلِهِ: أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِكَ أَتَسْتَهْزِئُ بِاللَّهِ، وَبَيْنَ قَوْلِكَ أَبِاللَّهِ تَسْتَهْزِئُ، فَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ عَلَى عَمَلِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَالثَّانِي: يَقْتَضِي الْإِنْكَارَ عَلَى إِيقَاعِ الِاسْتِهْزَاءِ فِي اللَّهِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ هَبْ أَنَّكَ قَدْ تُقْدِمُ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَلَكِنْ كَيْفَ أَقْدَمْتَ عَلَى إِيقَاعِ الِاسْتِهْزَاءِ فِي اللَّهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا فِيها غَوْلٌ [الصَّافَّاتِ: 47] وَالْمَقْصُودُ: لَيْسَ نَفْيَ الْغَوْلِ، بَلْ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ خَمْرُ الْجَنَّةِ مَحَلًّا لِلْغَوْلِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 94
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست